الحياة خارج جسدي -1-

78826343_451624922222570_1547796666042548224_n

الحياة خارج جسدي

كما يأتى الربيع ليغير وجه الأرض فتزهر الورود وتتلون بتلاتها ، وكما تتحرر الفراشات من شرنقتها لتفرد جناحيها وتحلق فى السماء الزرقاء لأول مرة ، تتغير نسمات الهواء وتتطاير حبات اللقاح حاملة الخير والنمو لكل مكان ، ينزل الربيع فى بعض القلوب ليدق جرس التغير . . .

b92225875ae2baf63b851f5621fda195

تجرى على شاطيء البحر تقفز متسلقة تل صغير من الصخور ثم تقفز نازلة من عليه ، تقفز على السلالم، تجرى من جديد حتى تصل إلى الشرفة، تقفز بداخلها تتأرجح الحقيبة الورقية فى يدها ،تضعها على الأرض بخفة ورشاقة ،وتستدير فى فرملة لحركاتها، تتناول المرأة العجوز الكيس من يدها وتتفقد محتواياتها، ترضي داخليا ولكن العبوس لا يغادر وجهها،تمنحها بعض الأموال ثم تنصرف لإكمال التنظيف،

تبتسم الفتاة وهى تعرف أنها أدّت المهمة على أكمل وجه، تعرف أن المرأة العجوز تريد انتقاد تهورها وسرعتها وقيامها بحركات خَطِرة ولكنها تعرف أنها اٌعجبت بخفتها ونشاطها وقوتها أيضاً، تتمنى أن تعطيها المزيد من الطلبيات فى يوم آخر، تنظر للمال فى يدها وترتفع زاوية شفتها  ثم بخفة تقفز من النافذة مجدداً،

تحرك الرمال أسفل قدمها ،تتجول واضعة يديها فى جيبيها وهى تصفر وتنظر حولها، كم تحب العيش بجوار البحر فى هذه المدينة الصغيرة، صحيح أنها ليست سول ولكنها قُبِلت فى جامعة مرموقة ، وأخيراً تخرجت من المدرسة الثانوية وبإمكانها الاعتماد على نفسها كما تمنت،

تشعر بأعين بعض الرجال تعاينها، تدرك أنها جميلة للغاية مع ذلك لا تعير جمالها اهتماماً أنوثياً ،ترتدي سروالها الرياضي والسويت شيرت الفضفاض وترفع شعرها الطويل فى ذيل حصان ،الحذاء الرياضي لا يغادر قدمها التى لا تتوقف لترتاح ، تعد خطواتها لتزيدها كل يوم عن سابقه،

تصل أمام الباب الزجاجي تدفعه للداخل ،تجرى نحو السلم متجاهلة المصعد ، تصعد الدرجات مهرولة حتى تصل غرفتها دون أن تتهدج أنفاسها،تفتح الباب دون أن تطرقه و تدخل وهى تدندن ..

“أظننى حصلت على عمل جزئي آخر”

ترفع صديقتها سوهيون وجهها من الحاسوب أمامها مندهشة “يا! ألا يكفي غسيل الأطباق! أليس هذا مقزز بما قيه الكفاية”

ترتمى  على فراشها وتمدد ذراعيها “لا ،البتة! إنه عمل رياضي”

تتنهد سوهيون وتهز رأسها “تغوين التعب”

“دعيها مادمت تهوي العمل اليدوي ” تقول يي جي وهى تربت بيدها على قناع وجها الورقى ليثبت اكثر ،

تحاول الدفاع عن نفسها ولكن يي جي تقاطعها “رياضة نعرف أنها رياضة..” تتضحك سوهيون ،

فتتجاهلهم ،ترفع ساقيها على الحائط ثم تمدد قدميها وتحاول الوصول لهما بأطراف أصابعها ..

تعيد سوهيون نظرها للحاسوب “واو هذه الاطلالة علىّ تجربتها ” تقترب منها يي جي وتسترق النظر فى الحاسوب “أٌفضّل استايل الشوارع ، سأريكِ الحذاء الذي ساشتريه”

تقلب هانا رأسها لتنظر نحوهما وتبتسم “أنا فاشلة فى الموضة عليكم أختيار ملابس الغد لى “

” دونت ورى don’t worry ، معك أكبر خبيرة موضة فى غرفتك، فاشونستا” ترفع سوهيون ذراعيها بغرور .. فتضحك يي جي “دعينا نضع ماسكات الوجه ،اشتريت ثلاثة لأجمل ثلاثة فتيات فى ثانوية سولجي..”

“وأجمل ثلاثة فتيات فى الجامعة أيضاً “

“لنرى” تتعال ضحكات الثلاثة فتيات من غرفتهم المشتركة حيث يتشاركان فى نفس الشقة الصغيرة بالقرب من الجامعة بعدما تركتن منازلهن فى سول ..

* * *

979e95189e5bd76e41cedb0fc775c42a

تفتح هى يون القفص وتضع يدها بداخله سرعان مايقف العصفور عليها تخرجه فاذا بقدمه تتسلق على ذراعها نحو كتفها ، يحرك رأسه يسارا قليلاً ناظرا للمكان حوله ،تبتسم ابتسامة مقلوبة وعيناها تلمعان بالدموع “أجل يمكنك أن تطير فى السماء الآن” يصرخ ويطير عاليا يقف على شجرة قريبة وهو مندهش من المكان، تتقافز العصافير الآخرى بداخل القفص ،يطير مجدداً نحو القفص ثم يعود للشجرة ثم يطير نحو شجرة آخرى ،تطلق ضحكة ليست سعيدة تماماً “أجل أنت حر الآن.. أنتم أيضاً ” تكرر ما فعلته سابقا لباقي عصافيرها واحدا تلو الآخر،

السماء الصافية تنزين بهم والأشجار التى تسكنها بعض العصافير تستقبلهم بحفاوة فرحبها واتساعها لايماثل ضيق قفصهم فى شيء، يطيرون ذهابا ومجيئاً فى المكان يتنافسون فيما بينهم ،يستكشفون منزلهم الجديد ،المحمية الطبيعية أو هكذا يدعوها الناس ،حيث قررت أخيراً الاستسلام وإطلاق صراحهم ، التخلى عن آخر أصدقاء لها،

تشعر بأن ثقلا قد أٌزيحَ عن صدرها ولكن وخزة فى قلبها توقظها لتنظر لهم نظرة أخيرة مودعة ،

هل ستتثني لها رؤيتهم من جديد ،هل إن رأتهم وسط هذه الطيور ستميزهم؟ هل سيتذكرونها بعد عدة أيام؟

تمسح قطرة دموع غبية تسربت من عينها اليمني، تحاول التبسم وتلوح لهم مودعة “إلى اللقاء ،حاولوا الاعتناء بانفسكم، استودعكم الله ” .. تحاول جاهدة كتم دموعها حتى لا يجدها الناس حساسة بشكل غير منطقي وكم تبدو حمقاء مرهفة المشاعر لكن لا أحد يُصدّق عندما تخبرهم كم تشعر بالتواصل بينها وبين عصفيرها ،أو كم كانت فهم الآن جزء من الماضي،

لقد كانوا اصدقاء وحدتها رفقاء سكنها ،وكانت قد استطاعت تمييز لغة الجسد الخاصة بهم وبعض آلحان تغريدهم المختلفة فصارت قادرة على فهم مشاعرهم بل والتواصل معهم فى أغلب الأحيان ،لكن الجميع سواها مقتنع أن الطيور كائنات غبية لا يمكنها الفهم

مع ذلك كانت ترى كيف يمكن لعصفورها تنبيهها لنقص الماء عنده أو إحتياجه للطعام أو الخروج من قفصه للقيام بتمارين الطيران لبعض الوقت فى صالة المنزل أو عندما يشعر بالنعاس بل كان يعرف عندما تكون متعبة أو غاضبة أو حزينة ،كان بإمكانه معرفة أنها نائمة معه فى الغرفة ليخفض صوت تغريده إلى حد الهمس ،

تتنهد وتنظر لهم للمرة الأخيرة ثم تنصرف دون أن تدير ظهرها مجدداً ولكم ارادت فعل هذا ولكن أصوات لعبهم والتى صارت أبعد شيئاً فشيء كانت ملاذها الأخير للتخلص من ذلك الألم ،حسناً التخلص من تلك المسئولية ،المسئولية الوحيدة التى كانت تأخذها على محمل الجد ،

تصل عمارتها السكنية، تتسلق السلم نحو الدور الثانى وقبل أن تدلف تتذكر أن عليها الطرق على جارهم لتدفع له ثمن الكهرباء التى دفعها عوضاً عنها عندما كانت هى وشقيقتها مسافرتين ولم يكن هنالك أحد بالمنزل ،

تأخذ نفساً عميقاً تتنحنح ،تتردد للمرة العاشرة وتفكر بتأجيل هذا لكنها تخشي نظرة الضيق والاستهزاء فى عين شقيقتها والتى كانت تقوم بمعظم مسئوليات المنزل لذا قررت أن تأخذ تلك الخطوة وتطرق الباب ،رنت الجرس مرة ، انتظرت قليلاً ،

a24d820299cc593ca5c2d558c25f2163

مرة أخرى ، انصتت بقلق عضت شفتها، مرة ثالثة وأخيرة كانت على وشك العودة للمنزل بسرور وقد فشلت المهمة لكنها نجحت فى تجنب ذلك الأمر الصعب عليها لكن لسخرية القدر فتح الباب ،

تحدثت بتردد وهى تمد بيدها وتحاول تجنب النظر فى عينيه ” هذه أموال الكهرباء ، قيل لنا أن حضرتك قد دفعتها ” اوميء وعلى وجهه ابتسامة ” أجل لقد فعلت “

FB_IMG_1573010497746

“شكراً” هزّ رأسه نافياً ومدّ يده لأخذها “وأيضاً آسفين لتأخرنا “

“لا عليكِ “

كان يبتسم ويتحدث معها كمن يتحدث مع طفل صغير لقد كانت واثقة من هذا عندما عادت لمنزلها حاولت اسعادة أحداث ذلك الموقف بعدما نظرت فى المرآة لتجد أن عينيها حمراوتان من الدموع التى ذرفتها وأن شعرها ليس مهندم تماماً ،فتحت نافذتها لتسمح ببعض الهواء بالتجدد فلا تذكر منذ متى يركد هذا الهواء الملبد بالنعاس وثانى اكيد الكربون فى غرفتها ،رأت نافذته نصف مفتوحة أمامها ،إنه جارها تماماً لدرجة أنها يمكنها أن تسمع صوت سعالها إن سعل مع ذلك فهذه هى المرة الأولى التى تعرف كيف يبدو ، وياله من وسيم .. فضولها الذى لا ينقطع تم اشباعه أخيراً بصورته ولكنها لم تتوقع أبداً أن يكون بتلك الوسامة والتواضع ، مع ذلك لم تكن لتعجب بفتى وسيم فهى تدرك جيداً أن للفتية الوسماء ذوق خاص كما أن الشعبية التى تحيط بهم لا يمكنها احتمالها فهى وإن كانت عاطفية ورومانسية كثيراً إلا أنها شديدة الغيرة حتى على صديقاتها فكيف لها الارتباط بشخص وسيم حتى تتبعه أعين الفتايات أينما ذهب، كما أن الشخص الوسيم دائما ما يدرك أنه كذلك …

* * *

طبق ممتليء بذرة الفشار بجواره آخر ممتليء بقطع البسكويت المغرق نصفه بالشوكلاه ، تمد سوهيون يدها لقطعة بسكويت بينما تفتح يي جي غطاء زجاجة كولا فيتصاعد الرزاز ويصدر صوت فرقعة ، تضحك وتصب لكل واحدة منهم كوباً،

3cfb257cc92313e0a5fcfa2f601deadd

بينما هانا تضغط زر التشغيل على أحد الأفلام وتكبر الشاشة أمامهن، يقتربن من بعضهن البعض ويعلو صوت الموسيقي فتهدأ أصوات قرمشة البسكويت ورشف الكولا، وتتسع أعينهن فى تركيز لمشاهدة الفيلم بينما يجلس على فراش سوهيون المتواجد فى الطابق العلوى حيث سرير ييجي اسفلها مباشرة ، يجلسن فى ضوء اصفر هاديء وقد وٌضِعت البطانية على اقدامهن ،فى جو أشبه بليلة شتوية أمام موقد نار أو سينما منزلية هادئة من نوع خاص،

وكيف لا يستغلون آخر لحظات العطلة ومن ثم سيكون عليهم حضور الجامعة يوميا، عليهم ولا شك النوم باكرا ،ولكن تلك ليست خطتهم، فهم فتيات جانحات ،لطالما كانوا ، يحيون الحياة كل لحظة بكل ما فيها من متع ..،

* * *

FB_IMG_1575647485169

تحتضن وسادتها التى تكونت عليها بقعة مبللة إثر دموعها، يتصاعد شعور لا يوصف يضغط بقوة على صدرها يخنقها ، الدموع تتساقط بغزارة أكبر ويعلوا أنين بكائها ،تعضٌ على شفتها تكاد تمزقها لتكتم صوت حزنها أهى سجينة تلك الغرفة؟ أم خلقت فى العالم وحيدة وستغادره كذلك بدون الحصول على شخص وحيد ليراها؟

نعم تشعر أنها غير مرأية كزجاج شفاف ، تشعر بأن عالمها متوقف بينما الناس حولها يتحركون يضحكون ويتصارعون فى خلافات تافهة ويقعون فى الحب ويفكرون فى المستقبل ويتنافسون على الجمال والمال ويجلسون عشية اليوم بدون هدف يتسامرون بلا قلق عن ضياع حياتهم ..

حياتها تتسرب من بين أصابعها كماء كلما حاولت القبض عليها تلاشي ،أهي حقا أكملت الرابعة والعشرين عاما وفى طريقها نحو الخامسة والعشرين ،لقد جاءت هذه الأوقات التى كانت تتوقع مجيئها ،تلك اللحظات قبل أن تعد تنازليا نحو الثلاثين ثم تصعد بسرعة البرق إلى الشيخوخة ،من يدري رغم ذلك هل ستصل للشيخوخة؟فصحتها ليست جيدة لاسيما بوجود تلك الافكار السلبية التى تمزقها ، وحاجة ماسة لأحدهم ،لتفضفض له، وتشعر بوجوده ، لأحدهم لينفض عنها غبار الإرتباك والخوف الذى بلا سبب ،لأحدهم ليعيدها لأرض الواقع فتركب قطار الحياة وتسير معهم نحو وجهة ،

لكنها تتطفو على سرير بارد ووحيد فى غرفة غارقة فى العزلة ،

لم تكن هي يون تستطيع التحديد ، هل كانت الوحدة التى بها جراء أفعالها ورغبتها الدائمة بالوحدة أم أنها قدر من الله ،أم أنها لعنة،

أو ربما هذا الأفضل لها فهى تُستَنزف بوجودها وسط اشخاص ينظرون إليها كما ينظر المرء للمرآة لايري المرآة بل إنعكاس نفسه ،

ربما أفضل لها حيث تشعر بالوحدة حتى بوجود كل الناس هؤلاء ،

تتذمر من الوحدة ثم تتذمر عندما تكون وسط أشخاص كثر وتتلهف للعودة لغرفتها واعادة وحدتها،،

أجل لقد كانت سجينة نفسها ولم يكن لغرفتها ذنب، بل جسدها وشخصيتها وعقلها غير الهاديء تمكنوا منها و من عزلها عن الآخرين ،

لقد صارت تغبط كل شخص عادى بسيط ، تمنت أن تكون فتاة عادية، فتاة حمقاء، غبية ساذجة، فتاة لا تفكر سوي بالجمال والطعام والمال، فتاة ترغب بالزواج من ثرى لتتباهى به أمام عائلتها وصديقاتها السطحيات مثلها، فتاة ستوافق على أى رجل بناء على أمواله وعمله ، فتاة خالية من التعقيدات الفكرية والروحية التى تمتلكها والمباديء الكثيرة التى ماعادت تدرى أهى الصواب أم عين الخطأ،

مع ذلك يصعب عليها ترك مبادئها وتغير شخصيتها ،كلما حاولت التظاهر بأنها فتاة ساذجة غبية يمزهقها الاحباط والتملق لدرجة تمرضها، فتعود لسريرها وغرفتها وتنعزل ،وتقرر أن الوحدة خير من رفيق السوء ، إنها مرتبطة بمبادئها بخيط احمر يلف حول رقبتها إذا حاولت التملص منه إزداد التفافاً فيعصرها حتى يكاد يخنقها ويظفر بروحها، خيط يربطها بتلك الغرفة يمنعها من الخروج واستنشاق عبير الحياة، يجلدها لتظل قعيدة ذلك السجن الذي صار قصرها وعالمها فلا تمد بصرها اللعين لما هو أبعد منه..

تغفو ، ترضخ للنوم الذي صار ملاذها حين الملل وحين الحزن وحين الشعور بالوحدة وحين تمتلك أطنانا من الدارسة وحين ترغب فى التسويف و تأجيل أعمالها،وحين لا تريد مواجهة الحياة بكل ما فيها من مسئوليات ، كطفل رضيع تنام وتنام وتنام

****

969fd4e0409345d802bd3a9b1192894f

تُقِظها شمس صباح اليوم الجامعى الأول، تضع الوسادة على وجهها وتكمل الحلم بفيلم البارحة ، سرعان ما تجعد وجهها لصوت المنبه الذي يصدح فى للغرفة، ترفع الوسادة وتنظر حولها بعيون ناعسة، الدمية التى كانت تنام بسلام بجوار بيول تتطاير فى الهواء وتسقط على المنبه ،سوهيون تصرخ من أعلى “أصمت”…

تطلق هانا ضحكة سريعة وتفرك فى عينيها ، تتثائب يي جي من سريرها وتنظر للسقف فوقها وما هو إلا سرير سوهيون فوقها،

“هيا بنا حتى لا نتأخر؟”

“ادخلى الحمام اولا” تتمتم يي جين وهى لا تزال تحدق فى سقف سريرها،

“لا ارييد “تصيح سوهيون،

تقفز سويونج من السرير محاولة استعادة نشاطها “هيا” تقول لنفسها وتهز ذراعيها فى الهواء فى تمارين رياضية “لنذهب”

تتجه صوب الحمام.

بعد ربع ساعة،

تخرج وهى تحيط المنشفة بشعرها

“يا اطفال استيقظن، لا تريدين ارتداء الملابس بشكل عشوائي لانكن لا تملكن وقت”

“أنا جميلة فى اى شيء” تهمس سوهيون

FB_IMG_1471708174904

بينما تنهض يي جي وهى تتصفح هاتفها وتضحك ..

كترتيب اتفقا عليه دائما ما تنهض هانا أولا كمعنى أسمها ثم يي جي وآخرهم سوهيون.

تجفف هانا شعرها الطويل أمام المرآة وتضغط زر تشغيل أغنية بلاك بينك صفير، تدندن معها وتتراقص، بينما تستمر سوهيون بالنوم، تلقى عليها المنشفة “استيقظييي”

“اه مقرف” تلقيها سوهيون على الأرض ثم تنهض جالسة فى الفراش وشعرها يصنع سحابة فوق رأسها تميل شفتها وتنزل ببطء وحذر من السرير

تقوم هانا بوضع الكريم وغيره من مستحضرات العناية بالبشرة بينما تخرج يي جي من الحمام وتدخل سوهيون ..

ينتهين من ارتداء الملابس المجهزة منذ البارحة ويتجهن نحو الجامعة ..

* * *

اليوم الأول فى الجامعة ليس كمثله شيء،

يدخلن ثلاثتهم بمحاذاة بعضهن البعض ،يسرن فى الحرم وكأن الورود قد فُرشَت حولهن وكأن هناك بساط احمر تحت ارجلهن، يتمايلن بثقة وعيون الجميع عليهم ،

ترتدي يي جي سروال باجي Baggy بأسود اللون وقميص بيج بأكمام و تترك شعرها الطويل الناعم مترهل فيصل لخصرها ، تنتعل حذاء جلد طويل برباط،

8ded78077f6e4d8ea572be794fdb8d6d.jpg

سوهيون ترتدي فستان رمادى ،فوقه جاكيت وردي اللون ،وحقيبة حمراء صغيرة ، وحذاء بكعب يطرق بخفة،

2a205c8be9063b668d1df1013f3a39aa

أما هانا والتى كانت أقلهم إهتماما بالموضة كانت ترتدي سروال جينز أزرق واسع ،وتيشرت قطنى أبيض فوقه جاكيت للمطر باللون الأحمر قصير ،وحقيبة تلتف حول وسطها بيضاء صغيرة تضع فيها محفظتها وهاتفها، حول معصمها ساعة قياس عدد الخطوات ،وفى قدميها حذاء رياضي اسود ،تترك شعرها البني الطويل مسدلا على ظهرها

FB_IMG_1575520628438

يبتسم من بُعد لمجرد رؤيته لهن ،يمسح بيده على جانب شعره ، يتجه لهن وهو يمشي بتفاخر، وعلى وجهه ابتسامة جانبية ،وقد وضع يديه فى جيبه..

575d5a09cf01391a3b10f3273df0f9f1.jpg

“تشان!” تهتف يي جي عندما تراه ،

“صباح الخير “يقول بصوت هاديء ليس كصوته المعتاد ..

“وووه تبدو كطالب جامعى الان” تهتف هانا وتضربه على كتفه

“يا تصرفى كفتاة!” ينظر حوله

ترفع حاجبيها بلا اهتمام “بل ساتصرف كنفسي”

“أليس لهذا نفس المعني؟” تتسائل يي جي

“اشك” يتذمر تشان ،

تنظر سوهيون حولها وهى  شاردة لا تعيرهم اهتماما

“الن ترحبي بتشان؟” تسألها هانا

“اه تشان !هاى”

“هاى..ماذا بها؟”يوجه سؤاله لهانا وعلى وجهه ابتسامة

“هل تبحثين عن احد” تسألها يي جي

تضحك بخجل تنظر للارض ثم ترفع نظرها سريعا “هذا ليس مهما ” تقول بينما ترتفع ضحكتها محاولة كتم ذلك

“تاكيون ؟” تخمن هانا

توميء سوهيون وتضحك مجدداً “اخيرا صرت معه ساتمكن من رؤيته يوميا الان”

“بدلاً من التسلل”تضيف يي جين

“اتساءل اين يدرس”

“صحيح ماهى الدروس للتى سجلتم بها؟” يقاطعهم تشان

“اول درس لدى علم نفس عليكم الحضور معى سمعت ان المحاضر جيد جدا “تردف يي جي

“لا اريد علم نفس..لست مهتمة”  تعترض هانا

“لا مفر لقد سجلت لكى بالفعل”

“لماذا؟”تتذمر هانا

“لان المحاضر مشهور بعبقريته ووسامته كما انه مجال مطلوب وعلينا ان نحضر سوية على ايه حال نريد ان نكون معا فى اكبر عدد من المحاضرات”

تمد شفتيها بملل

“وانا؟” تسأل سوهيون

“بالطبع  وانتِ “

“اوه ماى جاد”

“حسنا، انا ساغادر ،سابحث عن نادى رياضي للاشتراك به ماذا عنكن؟” يقول تشان

“انا معك انا معك انا معك” ترفع هانا يدها

يضحك “اوه حقا! هل ستلتصقين بي كما فعلتى فى الثانوية “

تهزّ قدمها متظاهرة بالضيق ..

سوهيون تكتب شيء على هاتفها وتعلو وجهها ابتسامة ..

” لا اعلم ماذا عنى ربما اذهب لنادى رقص” تقول يي جي

يرفع تشان حاجبه “اه! اريد المشاهدة “

تعقد ذراعيها امامها بغرور وتبتسم

“بالى كا !لنذهب سريعا !ساقىّ آلمتانى بسبب الكعب المرتفع” تقول سوهيون وترفع احلى ساقيها عن الارض قليلاً محملة بثقلها على الساق الآخرى”أيضا~ ساقابل تاكيون اوبا فى الكافتريا نحو العاشرة”

“المحاضرة الاولى ستبدأ بعد عشر دقائق “يضيف تشان ويكمل “سررت بلقايكن فتيات ، تبدون سيدات جميلات بالمناسبة”

تتبادلن الضحك

“حتى انا؟” تسال هانا

يتنحنح “ليس كثيرا”

تسخر منه ،

يبتسم ويستدرير للمغادرة ..

“يبدو وسيما بالاسود” تقول يي جين

“هل يبدل ملابسه اصلا؟!” تتساءل هانا فتضحك يي جي

تشدهم سوهيون من ذراعيهما كل واحدة فى يد “فلنذهب اشعر بالتشوق لعام جديد هنا اخيرا ..” ترتفع وجنتهاها وتتخلل نسمات الهواء شعرها الذي يتطاير للوراء

* * *

محاضرة علم النفس

92d13e39c9837c94d648b91f1b9e40ad

تمتمة الطلاب تهدأ وتختفى لمجرد دخول البروفيسور كيم روون، طويل القامة ،شعره شديد السواد قد فرقه واماله على جبهته، بينما يرتدي قميص رمادى ،سروال بني فاتح ،وجاكيت بيج ، ويمسك حقيبته السوداء، يضعها على الطاولة أمامه ،ينظر صوب القاعة المزدحمة،

“واو” تتمتم يي جي “هل هو بشر؟”

6b68be0d7856a94ef7ba403245fabaff

سوهيون تعاينه بحاجبين معقودين ،بينما تميل هانا شفتيها بتملل لما هو مقدم على شرحه، تحب الحركة والتطبيق،تعينها الأمور المادية التى تلمسها وتراها، لكنها تكره النظريات وبالنسبة لها النفس أكثر شيء نظرى فى الوجود..

يفتح شفتيه مرحباً بالطلاب بصوته العميق الهاديء، ثم يشغل الحاسوب على درس اليوم، “درس اليوم بعنوان اساسيات علم النفس ” يشرع فى الشرح، يرتكز انتباه الجميع عليه ..

. . .

80706496_459083208344818_6926195928047026176_n

يسيل لعابها على زاوية شفتها ،

” يا !هانا! استيقظى! امسحي لعابك”

تفتح عينيها بصعوبة “هل انتهت المحاضرة؟” تمسح فمها بظهر يدها وتنظر لساعة الهاتف ..

“اجل، لقد كانت مشوقة للغاية ..لا ادرى لمَ النوم ؟هل رائك البروفيسور يا ترى ؟شخص  حذق مثله بالطبع قد رآئك لقد لاحظت انه نظر نحوك عدة مرات ،لكن لماذا لم يعلق؟  ” تثرثر يي جي

تغمض عينيها بتكاسل “لا اريد هذه المادة”

” دعيها تلغيها يا يي جي .. ساخبرك الحقيقة انا ايضا لم اشعر بالراحة تجاهه يبدو مريباً وغامضاَ ، لا أحب الاشخاص المعقدين مثله ” تتحدث سوهيون بينما تضع قلمها فى حقيبتها الصغيرة ثم تخرج المرآة وتنظر لأحمر شفتيها ،تضغط على شفتيها ” هيا بنا” تدخل المرآة مجدداً ..

ترفع يي جي حاجبيها باستغراب ” فعلا؟؟، كيف لا يعجبكن شرحه ؟أو مظهره؟”

تتقدمهن سوهيون نحو باب الخروج بلا اهتمام ..

* * *

FB_IMG_1575647474646.jpg

عندما استيقظت هى يون كان النهار على وشك المغادرة ،لم تكن ترغب فى النهوض مع ذلك ،امسكت هاتفها وظلت فى الفراش نصف ساعة تقريبا تحاول ان تستفيق من غيبوبتها ،حياة التخرج ليست رغدة كما حسبتها، فى الحقيقة حياتها لا تُوصف بالحياة ،فإن كان النوم موت أصغر فهى ميتة، لأنها تقضي نصف إن لم يكن ثلثي يومها فى النوم، ربما هى ليست مريضة، ربما فى عالمها لا يوجد شيء يدعوها للاستيقاظ، ربما هى وحيدة وحسب..

تذهب الى الحمام ،بعدها تصنع كوبا من الشاي ،تضعه مع الكثير من المخبوزات والبسكويت، تضع ثلاث ملاعق من السكر، تقلبه ، تفتح مسلسلاً تشاهده وهى تحتسي الشاى وتمضغ الحلوى،

* * *

FB_IMG_1471459562564

سوهيون تذهب لمقابلة حبيبها تاكيون ، فتى مفتول العضلات ،لديه وجه بزوايا حادة وفك بارز، عندما يضحك تختفى عيناه وتتكون التجاعيد فى وجه فيبدو مضحكاً ماعدا ذلك فهو وسيم للغاية ،رجولى ،ويبدو رزين متعقل مع ذلك مرح عندما يريد ،لديه شخصية استقلالية، فى عامه الأخير قبل التخرج ،ليس حبيبها الأول بل الثانى، لكنه تشاركت معه قصة حب رومانسية تتمنى أن تقصها يوماً ما على أطفالهما، فهو كان سبيلها لنسيان حبها الأول بعدما تم اجبارهما على الانفصال جبراً،

تجلس فى الكرسي المقابل له ،يبتسم فتظهر قليلاً تجاعيد عينيه اللتان تلمعان تعكسان جمالها ،

“ماذا نطلب؟” يسألها ،

ترد بصوتها الطفولى الرقيق “كما تطلب”

ينظر فى القائمة وهو لا يزال يبتسم ..

3001997979f0a8ab9e83430d45fdebff.jpg

بينما لا تلاحظ ذلك الجالس على بعد طاولتين منهما ،لحسن حظه هو أيضاً لم يلاحظها وإلا لتكدر صفو يومه وليلته وربما ما يليه من عدة أيام وليالٍ وحيدة قارسة البرودة ،أو لعلّ هذا فقط مايشعر به فلم يكن الجو قارس البرودة فعلاَ ،فما هو إلا الربيع ، بما يصاحبه من تغيرات جوية ، وآخرى نفسي

كان سونغ جاى يجلس مع صديقته ،تلك التى يحاول جاهداً الوقوع فى حبها ولكنه لايكاد يراها سوي صديقة رغم جمالها وطيبة قلبها، لكن قلبه ليس شاغراً ليقع فى الحب من جديد فحبه لسوهيون لايزال نابضاً أو ربما تلك صدمته التى لم يتعافى منها بعد، تركته فجأة بدون سابق إنذار ،لم تتحدث إليه ولم يتمكن من رؤيتها أيضاً، لم يفهم ما الذي أخطيء به فى حقها حتى يُلقِي له والدها كل هداياه أمام باب شقتها ويصفع الباب فى وجهه، مازال لم يتخطَ ذلك اليوم والأيام الطويلة التى عقبته، حيث يبحث عنها، يتصل بها، يسهر لياليه دون أن يرغب فى تناول الطعام، يتمزق قلبه ألماً وحسرة،

مع ذلك ها هى ابتسامته المشعة ترتسم على وجهه الصغير وهو يحدق فى الحاسوب متظاهراً كعادته بأن كل شيء جميل وأن كل يوم أسعد يوم فى الحياة..

* * *

57ef15ceffaa6b2e8331828df0ac541f.jpg

تجرى نحو الملعب تستدير وذراعاها تترنحان فى الهواء ، صوت الكاميرا ووميض سريع تلتقط لها يي جين صورة وآخرى ثم تتبادلان الأدوار وتقوم يي جي بالقفز وفعل الكيومي والمزيد من الحركات ،لقد انتهت المحاضرات ولكن الأمر لم ينتهِ بعد بالنسبة لهن ،صحيح أن سوهيون لاتزال مع تاكيون ولكنهما قررتا الذهاب لاستكشاف الجامعة والنوادى بها خاصة النادى الرياضي كما أنهن أتفقن على العودة للمنزل وتبديل الملابس للذهاب لحفل الترحيب بالصف الأول حيث سيبدأ الساعة السادسة مساءً قد قام بتصميمه بعض الطلاب الأكبر سناً لمساعدتهم على التعرف على الجامعة ،لا يطقن صبراً لانتظاهره لذا تسللن للنادى الرياضي أولاً حيث استقبلهن الملعب العملاق ملعب لكرة القدم وآخر لكرة السلة وثالث لكرة المضرب ،

“أريد تجربة كل هذا” تهتف هانا

“وأنا أيضاً بالتأكيد سنتعرف على الكثير من الأصدقاء هنا !”

“ما رأيك بتجربة السباحة أولاً ؟”

“أى شيء .. دعينا نسأل تشان عن أى شيء سيلتحق به “

“تشان ، اعتقد ربما كرة القدم أو المضرب “

“أو ربما فن قتالى ،”

“أود تجربة هذا أيضاً ..حقاً أود تجربة كل شيء ” تجرى مجدداً

* * * *

تبرز  عيناها وهى تتابع تطور احداث الدراما ،عيناها تتلونان بالضوء الخارج من الحاسوب، يقطع تركيزها تعطل الحاسوب فجأة وتشفير كل الصور فى الخلفية ماعدا رسالة وحيدة تطلب منها الموافقة للاستمرار، تتضايق ليست اول مرة يحدث لها ان يعلق الحاسوب فحاسوبها قديم بالفعل ، تضغط موافق بدون الكثير من التفكير، فتأتى رسالة اخرى ،تضغط موافق مجدداً فلم يكن هنالك سر آخر على اية حال، تظهر الرسالة الثالثة المختلفة عن سابقيها حيث تحوى الكتابة ،قرأتها بتأن ( بضغطك على موافق سيتم تبادل الاجساد ،التجربة المميزة والتى قد تغير حياتك للابد، لا تحاول البحث عن طريقة للخروج من هذا لانه سينتهى تلقائياً بعدما تؤدي التجربة غرضها، من فضلك اضغط موافق)

ecf6aa774c07be84d8cc1a4ca4927e0a

عاقدة الحاجبين زفرت بضيق، اي هراء هذا، هل تم هكر حاسوبها ام ماذا يحدث؟ قررت ان تغلقه وحسب رغم انها كانت شديدة الاندماج فى الدراما وهى تكره عندما يقطع شيء تركيزها، ضغطت زر الاغلاق ولكن الحاسوب لم يستجب، فازالت السلك الكهربي والبطارية ،انطفأ اخيراً، قامت بتشغيله مجدداً ولكن صدمها مجيء الرسالة الأخيرة من جديد، امالت شفتها بسئم وضغطت موافقة وهى على وشك الانفجار غضباً،

( من فضلت اترك بصمة اصبعك على شاشة اللمس)

لعبت فى شعرها ،الن ينتهى هذا،وماذا عن بصمة الاصبع تلك !لنرّ ماذا سيحدث بعد ذلك!

وضعت سبابتها على شاشة اللمس ..

وكأن ضوء قد اومض فى عينيها وكأن مصدره الحاسوب وكأن كهرباء قد سارت عبر جسدها ،لم تعد تشعر بشيء وسقطت مغشي عليها على لوحة المفاتيح ..

* * *

تلتفى الفتيات مجدداً فى المنزل نحو الساعة الرابعة ، تقص لهم سوهيون عن الأشياء المسلية التى فعلتها مع تاكيون بينما تريها يي جي الصور التى التقتوها وتقوم هانا برفع صورها على الانستغرام

fc6d1880f8929418a6840d05892b6e7c

يقاطع رفع الصور تلك الرسالة المزعجة والتى جعلت كل شيء فى الخلفية اسود، تذمرت ، زفرت بغضب ،ضغطت موافق، موافق، موافق بدون أن تقرأ حتى

( من فضلك اترك بصمة اصبعك )

تفعل يدها على شكل قبضة من الضيق ، ماذا عن بصمة الاصبع هل أحدهم يحاول سرقة أموالها ؟ أهو نوع جديد من النصب! لا ترغب فى إغلاق الهاتف الآن وإلا ستطرد لإعادة فعل هذا من جديد ، مع ذلك حاولت إغلاق الهاتف ولكنها لم تستطع ، “تباً ” صرخت ،

” ما الأمر ؟” سألتها يي جي من خارج الغرفة وهى تسخن بعض الطعام ،

لم تجب ،وضعت أصبعها السبابة على شاشة البصمة بضيق وحسب ..

سقط الهاتف من يدها على الفراش وسقطت بجواره ..

.. يتبع

1 comments on “الحياة خارج جسدي -1-

أضف تعليق